28 - 06 - 2024

تعا اشرب شاي | الفسيخة فى إيد اليتيم عجبة

تعا اشرب شاي | الفسيخة فى إيد اليتيم عجبة

منذ حوالى عام أو أكثر ، رأيت إحدى مذيعات الـ "توك شو" وهى تقوم مشكورة بدور الناصح الأمين للشعب المصرى ، كانت فى حالة غضب عارم وهى تسدى إلينا نصائحها الرشيدة لدرجة أننى ظننت لفرط انفعالها وعصبيتها أنها "ملبوسة" ، توقعت لوهلة أنها ستخرج لنا رجل ماعز أو زلومة فيل من المنديل ، كانت قد شمرت عن ساعديها وراحت تصرخ وتولول فى وجهى وقد تقمصت دور الراحل زكى رستم فى فيلم النهر الخالد ... "إنتم لازم تخجلوا من نفسكم" ، من الواضح إن حيز الحرية اللى منحناه لكم خلاكم تتجرأوا وتعيشوا مبسوطين يا فجرة ، إنتم مش لازم تعيشوا ليوم التلات ، إنتو عار "عالأمة" وعلى بنك الحظ وعالجاموسة الوالدة وعلى كل الألعاب ، وأنهت حوارها لا فضت مرارتنا بعد أن أمرتنا ان نغور من وشها.

حمدت الله أن التلفاز الأصيل قد تحملها و لم ينفجر، وحمدته أكثر لأنه تلفاز تقليدى و ليس مزودا بخاصية الأبعاد الثلاثية ، وإلا لنالنى منها زغروفا على قفايا، أو شلوتا لا قدر الله على أحسن الفروض.

لم يمض وقت طويل حتى فوجئت بمذيع آخر قد ذهب لأبعد من ذلك ، لدرجة جعلتنى أشعر بالذنب لسوء تقديرى لتلك المذيعة "الكمل" التى لم تقل مخاطبة المواطن يا "حيلتها" ويا "ننوس عين مصر" و "ياريت بعد ما تطفح وتاخدلك نفسين جوزة .....الخ " كما قال سيادته . فقررت مقاطعة التلفاز إنصياعا لأوامر طبيب الأمراض العقلية الذى لجأت إليه طلبا للعلاج، وما أن بدأت فى التعافى من نوبات التشنج عند سماع التلفاز بالاضافة إلى إدمان أكل بوز اللحاف كلما مررت بالشاشة حتى لو كانت سوداء من غير سوء، حتى حل الربيع و أستطيع أن أقول اننى قد شفيت لدرجة شعرت معها بدون مبالغة أننى إنسانة ولم يعد يشغلنى الهروب إلى أصدقائى الحيوانات فى الإسطبل ليلا لنضرب معا مشروب "الميلك شيك بالجعضيض" رغم روعة مذاقه.

أخيرا خرجت إلى الدنيا بحلول الربيع ، تماما كما تعافت سيدة الشاشة العربية فى فيلمها "موعد مع الحياة" الشهير بأيام العمر معدودة يا احمد. كان يوم "شم النسيم" يوما رائعا بحق ، كان المصريون سعداء وهو حدث لا يتكرر كثيرا ، أخرج الكثيرون كل مافى جعبتهم ليعيشوا وقتا سعيدا ولو ليوم ويأكلون وجبتهم المفضلة - الفسيخ -فى هذا اليوم و التى تعود لما قبل التاريخ حتى الفقراء منهم ، إفترشوا الحدائق العامة ، بعضهم جاء مع أسرته المكونة من أربعة او خمسة أفراد فوق "موتسيكل" وقد احتضنوا بعضهم البعض خشية سقوط أحدهم، والبعض إستقل حافلة نقل عام لأن الميكروباص يكلفهم الكثير، وقد حملت السيدات أطفالهن وهن واقفات بسبب الزحام و البعض من المتيسرين إستخدم سيارته الخاصة أو سيارة أجرة، ربما تكون هذه هى المناسبة الوحيدة التى يجتمع عليها للإحتفال المسلمون والمسيحون معا، وبعد انتهاء اليوم وقبل أن أفيق من سكرة الذكريات اللذيذة، فتح أحدهم التلفاز أمامى، بدأت أتذكر حالتى المرضية ولكن بعد تردد قررت أن أواجه الموقف وأثبت لنفسى ولطبيبى العزيز دكتور خشبة أننى أصبحت بفضل الله انسانة طبيعية .

بدأ المذيع بداية غير مشجعة ولكنى قررت الإستمرار والإستعانة بكل نظريات الثبات الإنفعالى التى حفظتها عن ظهر قلب، وفجأة وجدته يتساءل بإستنكار وقرف: كلتى الفسيخ يا أمانى؟ أجبت بخوف: والله ما كملت ربع فسيخة يا باشا. فغمز بعينه غمزة ذات معنى وهز رأسه بشك مريب كضابط محنك وهو مستمر فى الإستجواب: جبتى فلوس الفسيخ منين هه؟ ساعتها شعرت أننى فى إنتظار كبسة على البيت قد تتضمن الكلاب البوليسية والسيد المناضل فرج بالاضافة الى "سلك كهربا عريان"، كدت أن أركع أمام الشاشة قائلة : وربنا ما جيت يمة بيتكو يا باشا، دا أنا حتى كنت معزومة، ولكن فى اللحظة الأخيرة تذكرت إحدى قواعد الثبات ، "فإنجعصت" للخلف واضعة قدما على قدم وأنا أقول بمنتهى "الألاطة" : فكيت وديعة ولدى نواف كانت بمليون جنيه ، عنده غيرها كتير مافى مشكل طال عمرك.

فقال وقد إرتسمت على وجهه كل علامات الإستهجان مخاطبا الجميع هذه المرة: صرفتوا مليار جنيه على الفسيخ يا مصريين!!! حاولت أن أتماسك لأذكره أننا أكثر من مئة مليون مواطن، أى أن كل فرد قد أنفق فى هذا اليوم مبلغ عشرة جنيهات فقط لا غير، ولكنى للاسف دخلت فى النوبة مرة اخرى، وراحت أسنانى تصطك بأرنبة أنفى.

كل ما أتذكره قبل هذه الإنتكاسة والرجوع إلى طبيبى العزيز د.خشبة ، أننى كنت مدركة أنهم ليسوا مجرد ضيوف حلوا على بيوتنا ويجب عليهم مراعاة حقوق الإستضافة ، ولكنهم ايضا يؤدون وظيفتهم التى ينفقون من ورائها مرتباتهم التى ليست بالقليلة على حد علمى ونحن كعملاء يجب أن نتلقى منهم ولو الحد الأدنى من الإحترام، و أننى عندما أجد زوجى الذى يعمل طبيبا قد تأفف من بعض المرضى الذين يزعجونه فى منتصف الليل لأسباب غاية فى التفاهة، أذكره أنها مهنته وأن لهؤلاء المرضى حقوقا علينا بل وفضلا أيضا ، ذلك أن الله قد أجرى على أياديهم رزقنا من فضله.

والأن بعد أن إشتدت على الحالة ، مضطرة آسفة أن أترككم لأردد تبعا لتعليمات الطبيب: أنا مش إنسان تافه وحقير ، أنا خيال مآتة بيرعب العصافير .

محدثتكم من العباسية : أمانى قاسم






اعلان